السبت، 30 أبريل 2016

قصة أصحاب الأخدود ...

إنها قصة فتاً آمن ، فصبر وثبت ، فآمنت معه قريته ، لقد كان غلاما نبيها ، ولم يكن قد آمن بعد ، وكان يعيش في قرية ملكها كافر يدّعي الألوهية ، وكان للملك ساحر يستعين به ، وعندما تقدّم العمر بالساحر ، طلب من الملك أن يبعث له غلاما يعلّمه السحر ليحلّ محله بعد موته ، فاختير هذا الغلام وأُرسل للساحر ....
فكان الغلام يذهب للساحر ليتعلم منه ، وفي طريقه كان يمرّ على راهب ، فجلس معه مرة وأعجبه كلامه ، فصار يجلس مع الراهب في كل مرة يتوجه فيها إلى الساحر ، وكان الساحر يضربه إن لم يحضر ، فشكى ذلك للراهب ...
فقال له الراهب : إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر ...


وكان في طريقه في أحد الأيام ، فإذا بحيوان عظيم يسدّ طريق الناس ، فقال الغلام في نفسه ، اليوم أعلم أيهم أفضل ، الساحر أم الراهب . ثم أخذ حجرا وقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، ثم رمى الحيوان فقتله ، ومضى الناس في طريقهم ، فتوجه الغلام للراهب وأخبره بما حدث . فقال له الراهب : يا بنى ، أنت اليوم أفضل مني ، وإنك ستبتلى ، فإذا ابتليت فلا تدلّ عليّ .
وكان الغلام بتوفيق من الله يبرئ الأكمه والأبرص ويعالج الناس من جميع الأمراض ، فسمع به أحد جلساء الملك ، وكان قد فَقَدَ بصره . فجمع هدايا كثرة وتوجه بها للغلام وقال له: أعطيك جميع هذه الهداية إن شفيتني . 
فأجاب الغلام : أنا لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالى ، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك ، فآمن جليس الملك ، فشفاه الله تعالى .
فذهب جليس المجلس ، وقعد بجوار الملك كما كان يقعد قبل أن يفقد بصره ، فقال له الملك : من ردّ عليك بصرك؟ 
فأجاب الجليس بثقة المؤمن : ربّي .
فغضب الملك وقال : ولك ربّ غيري؟ 
فأجاب المؤمن دون ترد د: ربّي وربّك الله . 
فثار الملك ، وأمر بتعذيبه ، فلم يزالوا يعذّبونه حتى دلّ على الغلام .
أمر الملك بإحضار الغلام ، ثم قال له مخاطبا : يا بني ، لقد بلغت من السحر مبلغا عظيما ، حتى أصبحت تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل ، فقال الغلام : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالى . فأمر الملك بتعذيبه ، فعذّبوه حتى دلّ على الراهب .
فأُحضر الراهب وقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى الراهب ذلك ، وجيئ بمنشار، ووضع على مفرق رأسه، ثم نُشِرَ فوقع نصفين ، ثم أحضر جليس الملك ، وقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فَفُعِلَ به كما فُعِلَ بالراهب ، ثم جيئ بالغلام وقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى الغلام ، فأمر الملك بأخذ الغلام لقمة جبل ، وتخييره هناك ، فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من قمة الجبل .
فأخذ الجنود الغلام ، وصعدوا به الجبل ، فدعى الفتى ربه : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فاهتزّ الجبل وسقط الجنود ، ورجع الغلام يمشي إلى الملك ، فقال الملك : أين من كان معك؟
فأجاب : كفانيهم الله تعالى ، فأمر الملك جنوده بحمل الغلام في سفينة ، والذهاب به لوسط البحر ، ثم تخييره هناك بالرجوع عن دينه أو إلقاءه .
فذهبوا به ، فدعى الغلام الله : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فانقلبت بهم السفينة وغرق من كان عليها إلا الغلام ، ثم رجع إلى الملك فسأله الملك باستغراب : أين من كان معك؟ 
فأجاب الغلام المتوكل على الله : كفانيهم الله تعالى . 
ثم قال للملك : إنك لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به .
فقال الملك : ما هو ؟ 
فقال الفتى المؤمن : أن تجمع الناس في مكان واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم تأخذ سهما من كنانتي ، وتضع السهم في القوس ، وتقول "بسم الله ربّ الغلام" ثم ارمني ، فإن فعلت ذلك قتلتني .
استبشر الملك بهذا الأمر ، فأمر على الفور بجمع الناس ، وصلب الفتى أمامهم ، ثم أخذ سهما من كنانته ، ووضع السهم في القوس ، وقال : باسم الله ربّ الغلام ، ثم رماه فأصابه فقتله .
فصرخ الناس : آمنا بربّ الغلام ، فهرع أصحاب الملك إليه

وقالوا : أرأيت ما كنت تخشاه ! ، لقد وقع ، لقد آمن الناس ، فأمر الملك بحفر شقّ في الأرض ، وإشعال النار فيها ، ثم أمر جنوده ، بتخيير الناس ، فإما الرجوع عن الإيمان ، أو إلقائهم في النار ، ففعل الجنود ذلك ، حتى جاء دور امرأة ومعها صبي لها ، فخافت أن تُرمى في النار ، فألهم الله الصبي أن يقول لها : يا أمّاه اصبري فإنك على الحق .
إن هذه القصة تبين لنا قاعدة مهمة من قواعد النصر ، وهي أن الانتصار الحقيقي هو انتصار المبادئ والثبات عليها ، وأن النصر ليس مقصوراً على الغلبة الظاهرة ، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة , فالحياة الدنيا وما فيها من المتاعب والآلام ، ليست هي الميزان ، الذي يوزن به الربح والخسارة , والناس جميعاً يموتون ، وتختلف الأسباب ، ولكنهم لا ينتصرون جميعاً هذا الانتصار

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.